في أحد أركان المقهى جلست وحدها. حلم العودة إليه الذي كان يراودها أخيرا تحقق. جلست ومعها قلم وورقة، تكتب ما ترغب في شرائه من أجله. كانت تعلم أنه سيعود ولكنها لم تعرف أن فرحتها ستغمر كل شيء حولها. فابتسامتها بعثت على كل من حولها البهجة. خطواتها الراقصة راحت تلامس الأرض من بعيد كالفراشات على الزهور.اتفقا على اللقاء ليلة عيد الميلاد… الثلج يملأ المكان… الصقيع يقطن الجدران قبل الأبدان ولكنها لم تعبأ بهذا فالدفء داخلها كاد يذيب الثلج النائم على الأرصفة والشجر.
بقى سبع ليالي تمر وهي تحترق شوقا إليه. تلملم كل الهدايا التي تراها أمامها من أجله. وأصبح ما يحب هو أحلى ما تراه. ابتاعت فستان أحمر من أجل يوم اللقاء… عطر يحب … سوار وقرط جديد.
كانت تنهي جولتها اليومية بعد شراء الهدايا بالذهاب إلى ذلك المقهى الذي اعتادت أن ترتاده معه. تجلس هناك وحدها. تتذكر لقاءها الأول على تلك الطاولة. تتذكر ذلك الذي دخل فيه المقهى حاملا باقة الزهور الحمراء وبطاقة بها كلمة “أحبك”. تتذكر عيد الميلاد المجيد الماضي بجوار تلك الشجرة التي كانت هنا. وتحاول أن تمحو من ذاكرتها يوم رحيله الكئيب … وصورتها وهي تجلس وحيدة هناك تبكي التي لا تغيب عنها.
يوم يمر … ويوم آخر … وهي تشتري الهدايا وتتركها مع النادل الذي تعرفت عليها منذ عام – يعرف هو الآخر قصتها. تارة تترك علبة صغيرة حمراء عليها اسمه وتسأله أن يضعها تحت الشجرة ليلة عيد الميلاد … وتارة تترك صندوق كبير أحمر وبطاقة تحمل اسمه … وتارة أخرى تترك معه سلة من خوص بها دب قطني يحمل بين يديه علبة. تترك شيء كل ليلة وتجلس وحدها على طاولة في أحد الأركان تكتب أو تقرأ وترى على وجهها السعادة.
لم يبقي سوى يومين على ليلة عيد الميلاد. فليلة اللقاء تقترب. وفي طريقها إلى المقهى عزمت على اختيار باقة الزهور التي ترافقها في لقاءها معه بعد هذا الفراق الطويل وحتى لا تتأخر ليلتها في اختيار الزهور. قررت أن تختار الباقة الليلة لتتسلمها ليلة عيد الميلاد.وقفت هناك كثيرا تختار الزهور واحدة تلو الأخرى بعناية بالغة باقة كبيرة. لم تشتري أبدا مثلها، بها كل الألوان. شيء غريب عليها هذا الجنون. وكأنها تريد أن تعبر كل زهرة على كل المشاعر التي تحمل بداخلها. لو تكتب قصيدة على كل زهرة لتعلمه عما بداخلها من حنين واشتياق وحب… وأشياء أخرى لا تستطيع البوح بها.
غادرت محل الورود، تحمل في يدها وردة بنفسجية. بهرها لونها فأهداها البائع إياها. وفي طريقها إلى الخروج رأته هناك. يقف بعيدا يحدق بها. وأدركت أنه يقف هناك منذ برهة يراقبها. يقف أمامها بعينين مبهرة ونظرة واثقة شلت حركتها.ولكنه لم يكن حبيبها الذي ابتاعت من أجله الزهور. لم يكن هو الذي تنتظره كل تلك الليالي.