امتدت يده لتسلم على يدها التي لم تلقاها منذ سنوات. وحنين ينسكب من عيناها عليه من رأسه حتى قدميه. ولكنها قال يقطع الصمت والنظرات الحائرة: - “كيف حالك؟ علك بخير … تبدين لي على ما يرام.. وكيف أشك وأنا أراقبك منذ مدة… كعادتك تستمعين باختيار الزهور… وكأنك تفهمين حديثها لم تتغيري أبدا…” وكف عن الحديث وجذبت يدها من يده التي نستها نائمة في كفه. فرمقها بنظرة “اشتقت إليك”. ظلت صامتة تحدق فيه تتذكر قصتهم القصيرة جدا والتي انتهت قبل أن تبدأ. تذكرت ما كان بينهم من حب لم يلبث أن يعكر صفوه شجار أو ضغينة أو غضب. حب رحل طاهر نقي وكأنه طفل مات بلا خطايا ولا آثام. لم يقترف فعل سوى أنه ولد. ترك لمن أحبوه ألم فائق الاحتمال.. برعم ذابل نبتةُُ صفراء جفت.. حلم لم يكتمل…ا
وعاد صوته إلى مسامعها يردد:
- “ما بالك؟ هل أزعجك لقائي إلى هذا الحد؟ بإمكاني أن أرحل الآن …” ابتسم و راح يحدق في عينيها منتظرا رد على كلماته. وهي تحدق فيه وتفكر.. “لم الآن؟ إذا كان الفشل مصيرنا لم أراه مجددا بعد كل هذا الوقت؟ لم اليوم؟إذا كنت عانيت كي أتعلم أن أحيا بدونه، لما أراه أصلا؟” لم تسمع سوى أسئلة كثيرا تدور في خلدها، تكاد تطل من رأسها لتحطم رأسه الذي ظهر الآن. رغم يقينها أنها سعيدة لرؤيته، ولكنها لا تعرف لما
ا- “أتريديني حقا أن أرحل؟” امتدت ذراعه ليسلم عليها قائلا: “أنا آسف لإزعاجك” ولكنها استجمعت قواها وقالت منتفضة:
- “كلا … على العكس … أعني … لا.. لا ترحل … أنا تألمت كثيرا … ولكني تحسنت… أجل أنا تحسنت كثيرا… أنا …”ا صمتت هنيهة وأطلقت تنهيدة وواصلت حديثها:
- “على الأقل تعلمت أن أقهر أحزاني … وحدي …تعلمت الوحدة… بل أدمنتها لفترة… لا عليك مني .. قل لي .. كيف تحيا؟
و بدأ الحديث بينهم وامتدت لساعات. وحين رحلت أدركت أنها لم تسأله عن أشياء كثيرة كانت دائما ما تقول لنفسها أنها إذا رأته مجددا سوف تسأله عنها. أسئلة كثيرة. لم تسأله حتى هل تزوج أو ارتبط بحب بعدها؟ هل غير رقم هاتفه؟ هل غير عنوانه؟ كيف لم تسأله عن أشياء كهذه؟ وعن أي شيء تحدثت كل هذا الوقت؟ هي لا تذكر حتى عما تحدثا! لا تعرف إي شيء عن تلك الفترة التي أمضتها معه. كانت تلك الساعات حلم استسلمت له. لا يرتبط بأي صلة بحياتها الحالية. توقف الزمن عندها حينما رأته. وكأن حياتها تسير وظلت تسير ولقاءهما كان يوازي الزمن … على هامش العمر… ساعات عمرها وساعات لقائه خطان متوازيان… أبدا لن يلتقيا.
ورحلت … تبحث عن روحها التي تركتها في محل الزهور. ولكنها لم تجدها. وتذكرت الآن فقط… ليلة عيد الميلاد! كيف ستقابله؟ هل تصطنع الفرحة بعد أن كانت تشعرها تسري في كل خلية من خلايا جسدها؟ هل تقابله بفتور؟ كيف تعود إلى روحها … كيف تعود إلى الزمن؟ تائهة تقودها العادة إلى البيت … إلى مخدعها… فقبعت تحت الغطاء صامتة. بأعين حيرى بين أمل يائس كشهاب سقط وفرح غامر انطفأ ..
هربا من عينيها وحديثهما الحزين وسؤالهما الملح الذي كاد يدمر رأسها أطبقت أهدابها فأنسكبت دمعة ساخنة نقشت على الوسادة سؤال … بلا إجابة… “لم الآن؟!!